كلّما أردت تناول التغيير الواجب في القوانين المتعلقة بحقوق النساء في بلادنا، تعود بي الذاكرة إلى يوم تشريني في قاعة الإجتماعات في فندق الشام بدمشق 2008 ، أثناء “الملتقى الوطني حول جرائم الشرف” والذي يهدف إلى إلغاء العذر المحل والمخفف لقاتل المرأة بحجة الدفاع عن الشرف،عندما أذيعت التوصية المتعلقة بإلغاء المادة 548 التي تعطي العذر المخفف والمحل للقاتل، وصرخ ذلك الرجل وهو أحد أعضاء مجلس الشعب حينها معترضاً على تلك التوصية “إنكم تريدون أن تسرح النساء في الشوارع تفعل ما تشاء دون عقاب!!!”
منذ ذلك اليوم إلى الآن أسمع صوته في أذني كأنه صدى المجتمع الذكوري في بلادنا كلّما طالبنا بتعديل أو تغيير قانون تمييزي بحق النساء.
قتل النساء بحجة الشرف ووضعهن ضمن خانة شرف العائلة والقبيلة، وطغيان الفكر الذكوري والأبوي الذي يعتبر النساء جزء من الملكية و مجرّد تابع ومكمّل لا حق لها بالإرث، ولا حق لها بتزويج نفسها، ولا بالولاية على أولادها ، ولا حق لها سوى ممارسة دورها الإنجابي تحت إمرة الرجل، فإن عملت دون رضاه فهي ناشز وإن لم تكن مطيعة له فهي ناشز وإن لم تلبي رغباته الجنسية متى يشاء فهي ناشز.
اغتصابها أثناء الزوجية حق للزوج، واغتصابها من غريب مقدمة لزواجها منه لستر الفضيحة.
لا حق لها في منح جنسيتها لأولادها ولا بنسبتهم إليها ولا بحضانتهم بكثير من الحالات.
نضالات وحملات منذ عقود قوبلت بفتات من الحقوق، بحجة الدين والعادات والتقاليد والأمن القومي.
حملة المطالبة بتغيير قوانين الأحوال الشخصية في سورية:
بدأت المطالبات بتغيير قوانين الأحوال الشخصية في سورية منذ أوائل القرن الماضي عندما حاولت حكومة جميل مردم عام 1938 وبناءً على اقتراح المفوض الفرنسي السامي غابرييل بيو تمرير قانون للأحوال الشخصية يستند على القوانين الوضعية في أحوال الإرث والزواج والطلاق ويساوي بين السوريين، فاحتجّ مفتي البلاد وجمعية علماء دمشق، ما أدى بالمفوض الفرنسي إلى ايقاف العمل بالقانون وأعاد إخضاع المسلمين لمجلة الأحكام العدلية والتي صدرت عام 1867 خلال عهد السلطان عبد العزيز الأول,وبقي العمل بحسب هذه المجلة حتى عام 1949 حين وضع قانون للأحوال الشخصية مستوحى من الشريعة ومقتبس من القانونين الفرنسي والمصري، كما نظمت شؤون الطائفة الدرزية بقانون أحوال شخصية موافق لأحكامها.
“مجلة الأحكام العدلية :وضعتها لجنة من العلماء في الدولة العثمانية. وهي عبارة عن قانون مدني مستمد من الفقه على المذهب الحنفي“.
وقد سعت رابطة المرأة والأمومة في الحزب الشيوعي السوري للعمل على التوعية على مشاكل قوانين الأحوال الشخصية منذ الخمسينات إلى أن حصلت بعض التعديلات عام 1975 وهي: التقييد على تعدد الزوجات بوجود المسوّغ الشرعي ، تنتهي مدة الحضانة بإكمال الغلام التاسعة من عمره والبنت الحادية عشرة” وذلك بعد أن كانت مدة الحضانة سبع سنوات للصبي وتسع سنوات للبنت.
وهكذا إلى عام 2003 حيث سعت جمعية المبادرة الاجتماعية بالتعاون مع عدد من الجمعيات إلى زيادة فترة حضانة الأم لأطفالها، ووصلت إلى تعديل القانون فأصبحت مدة حضانة الأم تنتهي حين بلوغ الغلام سن الـ 13 والبنت سن الـ 15 من عمرها، وللأم أن تطلب من القاضي تسليمها طفلها أو طفلتها دون الحاجة إلى رفع دعوى قضائية.
(طبعاً دون التطرق إلى المطالبات ببيت الحاضنة أو زيادة النفقة).
وبعد ستة عشر عاماً من النضال صدر القانون رقم 4 عام 2019 الذي أعطى الأم حقها بحضانة طفلها مع اختلاف الدين لكن دون أهلها حيث سمح لهم حتى عمر الخمس سنوات.(كانت تحرم الأم من الحضانة بسبب اختلاف الدين) و رفع سن الحضانة ليصبح الذكر والأنثى 15 عاماً، لكن القانون غيّر مجرى الحاضنة ليصبح الأم ثم الأب ثم أم الأم ثم أم الأب ، حيث لم يؤخذ بمصلحة الطفل الفضلى بل بالترتيب الأسري (وهذا تجاوز لاتفاقية حقوق الطفل).
وبدل من منع الطلاق بالإرادة المنفردة اكتفى القانون بالتخفيف من الشروط التعجيزية للتعويض في الطلاق التعسفي إن كان الزوج متعسّفاً ليصبح هنالك شرط وحيد للتعويض هو التعسّف بعد أن كانت الشروط تعجيزية منها الفقر والفاقة وعدم وجود قريب. وبدلاً من إعطاء المرأة والرجل حقاً متساوياً في الولاية والوصاية جاء التعديل فقط بمنع سفر الأولاد مع أحد الأبوين دون موافقة الآخر في حال قيام العلاقة الزوجية أو في حال الإنفصال وهذا تعديل جيد لكنه غير كاف.
وأبقى على شرط وجود الولي في حال زواج المرأة فهي لا تستطيع تزويج نفسها دون ولي ولو كانت تشغل منصب رئيسة القضاة!! و لم يتطرّق إلى المساواة بين البنت والأبن في الارث من والدهم ولم يتطرّق إلى موضوع حجب البنت للإرث إن كانت وحيدة بل عدّل بجزيئات غير مهمّة على الصعيد العام.
بالنسبة لسن الزواج بالرغم من أنّه رفع سنّ الزواج إلى 17 للبنت و 18 للصبي إلاً انّه أبقى على السلطة التقديرية للقاضي في زواج الطفل أو الطفلة بعمر ال 15 عاماً.
الشيء الوحيد المهم هو التعديل في المادة /1/ في تعريف الزواج حيث أصبح : الزواج عقد بين رجل وامرأة يحل كل منهما للآخر شرعا غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل.
(في القانون القديم كان يعرّف عقد الزواج بأنّه عقد نكاح تطلّب تغيير الكلمة نضال أكثر من نصف قرن)
لم يتم التطرق إلى بيت الحاضنة أو الزيادة والتي هي حالياً 8 آلاف ليرة سورية بالشهر يدفعها الولي (الأب / الجد/العم) كحد أدنى أي (4 دولارات حالياً) أو صندوق النفقة (مشروع تم العمل عليه لكنه لم ينفّذ)
أما بالنسبة للقانون الدرزي آخر تعديل عام 1959 ولم يجري عليه أي تطور ، أما بالنسبة لقوانين الأحوال الشخصية المسيحية:
فقد صدر عام 2006 القانون رقم 31 وكان قانوناً مميزاً من حيث المساواة بالارث والمساواة بالوصاية والولاية والتبني وغير ذلكن لكن تمّ التوقف عن العمل بمعظم ماجاء به ولم يبقى إلا المساواة بالارث وذلك لأنه يخالف النظام العام فالنظام العام لا يمكن أن يخرج عن الفقه الاسلامي وبالتالي لا يمكن تطبيق التبني ولا يمكن تطبيق المساواة بين الذكور والاناث بما يخص الوصاية والولاية على الأولاد.
صدر القانون رقم 7 عام 2012 للطوائف المسيحية جميعها فقط فيما يتعلق بالمساواة في الارث وحق الوصية.
أما كل ما يتعلق بالوصاية والولاية والقوامة والحضانة والنفقة لها مرجعية واحدة هي الفقه الاسلامي لا يمكن تجاوزه.
حملة جنسيتي لي ولأسرتي