لمى راجح
حائزة على شهادة جامعية من كلية الصحافة والإعلام، جامعة دمشق، وشهادة ماجستير بالإعلام، جامعة بيروت العربية، تعمل مع عدة مواقع صحفية بشكل مستقل، وناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وبالأخص النساء.
ما هي صورة النساء في المناهج التعليمية السورية؟ هل انعكست “الثورة” في تلك المناهج، لجهة إنصاف المرأة ودورها أم جاءت مجرد تكريس للقديم والسائد بأنماط أخرى؟ وهل تختلف صورة المرأة ودورها بين منهاج وأخر، تبعا للمناهج المتعددة التي باتت تدرس اليوم في سورية؟ هذا ما يحاول هذا التحقيق الاجابة عنه، من خلال الغوص عميقا في تحليل تلك المناهج والتنقيب عمّا يقف خلفها.
(ينشر هذا التحقيق في ختام مشروع سوريا في العمق، بالشراكة مع المنظمة الدولية لدعم الإعلام (IMS) ومؤسسة الغارديان فاونديشن ومؤسسة شبكة الصحافيات السوريات وموقع حكاية ما انحكت)
(شارك في هذا التحقيق: تصوير في المناطق الكردية: جانو شاكر، جودي حاج علي. وتصوير في مناطق المعارضة: أيهم بيوش. مونتاج: سعد الحاج. وانفوغراف: أحمد نجار)
كنت أتحدَّث معه عبر برنامج “الواتس اب”، بَدا من نبرة صوته كأنه صاحب القرار في الأسرة باعتباره الأخ الأكبر في العائلة، وربما المُسيطر، كما كان يوحي إليَّ من طريقة حديثه.
محمد، ابن الثلاثة عشر عاماً، يدرس في المرحلة الإعدادية، الصف السابع، يعيش مع أهله في مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، لديه أختان، تبلغ الأولى من العمر خمسة أعوام، والأخرى اثني عشر عاماً.
يتعلم محمد في إحدى المدارس التابعة للحكومة السورية المؤقتة، وقد تم الفصل بين الذكور والإناث مُذ كان في الصف الخامس الابتدائي، يُعلل ذلك بقوله :”الاختلاط بالمدرسة ممنوع وحرام، وهيك أفضل للبنات وإلنا، لأنو بهي الحالة بتقدر البنات تحافظ على حالها.. ”
حاولنا معرفة تأثير المناهج التعليمية على آلية تفكير محمد، ضمن سياق علاقته مع والدته وأخته فيقول: “ما كتير بهمني شو تعلمت.. بهمني أخواتي البنات ما يطلعوا لحالهم من البيت إلا إذا كنت معهم أو أبي يرافقهم”.
بعد مرور ثماني سنوات على الثورة السورية وتغيّر الخريطة السياسية، كان من الأهمية العمل على معرفة مدى تغيّر الخريطة التعليمية؛ لنرى في حال كان هناك وعي لدى الكوادر التعليمية لأهمية كسر الأدوار النمطية للنساء والفتيات في المناهج التعليمية.
عملنا على تحليل منهاجي لمادتي القراءة والاجتماعيات للصف الخامس والسادس في كل من مناطق النظام السوري، والمعارضة، والإدارة الذاتية. فتبيّن من خلال مراجعة وتحليل مناهج مادة القراءة لكل تلك المناطق أنّ معظم النصوص أُخذت من مُؤلفين رجال، إضافة إلى أن المناهج تضمنت نشر نصوص لجهات أو مؤسسات كوزارة التربية أو مجمعات تربوية أو طبية.
مناهج النظام السوري لا تكفي وحدها في ظل الظروف الأمنية المتشدّدة
هبة (اسم مستعار/ 43 سنة)، تعمل مُدرِّسة للمرحلة الابتدائية، منذ ما يقارب الخمسة عشر عاماً، تستعرض رأيها بالأساليب التربوية في المدارس التابعة لحكومة النظام السوري. وتقول: “يحاول النظام السوري إدخال أساليب تعليمية جديدة لإظهار نفسه أنه يدعم قضية المرأة، غير أنّ المنهاج في كثير من حيثياته يُجسّد صورةً نمطية للنساء، وحتى الآن لا يحتوي على تجسيد حقيقي لواقع النساء والفتيات في سورية ودورهنَّ في عملية صنع السلام. ورغم أنّ المناهج تم تحديثها مؤخراً إلا أننا لم نلحظ أي أثر لدور النساء في الحرب أو المجال الإنساني ضمن المناهج التربوية، بل ظلّ التعامل مع واقعهنَّ يُجسَّد بشكل نمطي، ويكرس أدوراهنَّ (الجندرية) التقليدية المنوطة بهنَّ”.
أصدر النظام السوري تحديثاً جديداً للمناهج التعليمة للعام الدراسي 2018-2019، وحسب ما تبين من سؤال عدد من المدرسين/ات أنه مايزال يوجد فصل بين الذكور والإناث ابتداءً من مرحلة الإعدادي باسثتناء بعض المدارس الخاصة في دمشق، وحمص، وحماة.
بلغ عدد الدورس التي تمّ تحليلها ضمن منهاج القراءة للصفين الخامس والسادس 63 درساً، و65 درساً آخر لمادة الاجتماعيات، وتبيَّن من خلال التحليل أنّ 23 درساً ضمن منهاج القراءة، و15 درساً ضمن منهاج الاجتماعيات يحملون في طياتهم تمييزاً ضد النساء والفتيات، سواء في النصوص أو الصور المرفقة.
الاختراع والابتكار صفة خاصة بالذكور
بناءً على ما تم تحليله من مناهج النظام السوري، وجدنا أنّ صفات ومهن العلماء والمخترعين يتفرّد بها الذكور دون الإناث، باستثناء درس واحد يتحدث عن عالمة سورية، في حين وجدنا بالمقابل صوراً نمطية لأدوار النساء تتجسّد في دور الأم والمضحية أو المعلمة والسكرتيرة، بينما وردت عدّة نصوص تستعرض أسماء الشعراء والخطاطين والعلماء الرجال.
أما بالنسبة إلى الألعاب التي يمارسها كلا الجنسين، أظهرت بعض الدروس أنّ الصبيان يلعبون كرة القدم. وبالمقابل أظهرت النصوص والصور قيام الفتيات بممارسة ألعاب تتناسب مع جنسهنَّ كعزف الكمان..[1]
التمريض مهنة خاصة بالنساء
جسدت مناهج النظام السوري مهنة التمريض على أنها مهنة خاصة بالنساء، إذ يرد نص يتحدث عن المرأة الممرضة وعطائها، مع إلصاق بعض الصفات الأنثوية مثل “حلوة الروح، ومشرقة الوجه، وباسمة الثغر”. ليتكرر ذات المشهد ضمن دروس الصف السادس من خلال إيراد أبيات شعر تتحدث عن الممرضة ووصفها بصفات كـ “الحورية البيضاء”، “زهرة الدنيا”، و”العطوف”. وبينما لم نلاحظ في المناهج نصوصاً تعليمية تتحدث عن تلك المهنة عند الرجال.