يتابع اللوبي النسوي السوري بقلق بالغ تطورات قضية السيدة مي سلوم، في ضوء ما ورد من معلومات متقاطعة تفيد بتعرضها للاحتجاز مرتين خلال فترة زمنية قصيرة، كان آخرها في محافظة اللاذقية، بعد أن تم تسليمها إلى قسم الشرطة الشرقي بهدف إتمام إجراءات قانونية، كان يفترض أن تنتهي بتسليمها إلى عائلتها ومتابعة وضعها الصحي والنفسي من قبل مختصين.
غير أن ما وثّقناه لاحقًا يشير إلى نقلها بشكل مفاجئ إلى جهة أخرى، غالبًا ما تكون هي ذاتها مكان اختطافها، وسط غياب أي شفافية أو ضمانات قانونية، بما يُثير الشكوك حول سلامة الإجراءات المتبعة والظروف المحيطة بها.
إن الملابسات التي تحيط بهذه القضية، بما في ذلك الحديث عن نقل قسري، وعدم تقديم أي رعاية أو فحص طبي ونفسي، والضغط الممارس لتلفيق روايات تروّج لعودتها “طوعًا”، تطرح تساؤلات جدّية حول حرية قرارها، في ظل مؤشرات على تعرضها لضغوط وترهيب مباشرَين، ما يستدعي تدخلاً من جهات مستقلة ومختصة لتبيان وضعها النفسي والطبي.
كما تم استخدام ذريعة “الزواج”، حيث جرى تزويجها خارج الإطار القانوني والشرعي، الأمر الذي يسلّط الضوء على هشاشة الحماية القانونية للنساء، وتواطؤ بعض الأجهزة المرتبطة بالسلطة مع ممارسات تُشرعن انتهاك حقوق النساء باسم الدين أو الأعراف، وتُجيز تقييد حريتهن داخل منظومة من الترهيب والاستباحة.
انطلاقًا من مسؤوليتنا، نؤكد على مايلي:
ضرورة ضمان حماية مي سلوم وسلامتها الجسدية والنفسية بشكل فوري، بما يتيح لها الوصول الآمن إلى خدمات دعم مستقلّة.
أهمية أن تخضع قضيتها لفحص طبي ونفسي محايد، وأن يُتاح لها التحدث بحرية أمام جهة مستقلة دون وجود ضغط أو مراقبة.
رفضنا لأي سردية تُبنى على “موافقة” تصدر في ظروف غير آمنة أو في ظل احتجاز، ونعتبر ذلك انتهاكًا إضافيًا لكرامتها وحقها في اتخاذ القرار الحر.
التأكيد على أن هذه الحادثة ليست معزولة، بل تعكس نمطًا واسعًا في سوريا، تُستخدم فيه الأدوات الأمنية والاجتماعية لتقييد حرية النساء وفرض خياراتهن قسرًا.
تأتي قضية مي سلوم في سياق أوسع من أنماط العنف القائم على النوع الاجتماعي والانتهاكات الممنهجة بحق النساء والفتيات في سوريا، لا سيما من خلفيات طائفية معيّنة. فقد أعربت عدة آليات أممية لحقوق الإنسان، من ضمنها المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، وفريق العمل المعني بحالات الاختفاء القسري، عن قلق بالغ إزاء ما لا يقل عن 38 حالة اختطاف لفتيات ونساء من الطائفة العلوية تتراوح أعمارهن بين 3 و40 عامًا، منذ شباط/فبراير 2025، ترافقت مع تهديدات، وزواج قسري، وانتهاكات جسدية ونفسية، في ظلّ غياب أي تحقيقات فاعلة من قبل السلطات المعنية، بحسب ما ورد في بيان مشترك صدر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (OHCHR, 2025).
وفي سياق متصل، وثّقت منظمة العفو الدولية ثماني حالات اختطاف لنساء وفتيات من الطائفة العلوية، بالإضافة إلى عشرات الحالات الأخرى التي أبلغ عنها أفراد المجتمع المدني، وأشارت المنظمة إلى أن هذه الحوادث، التي جرت معظمها في وضح النهار، رافقها تقاعس تام من أجهزة الشرطة والأمن، بما في ذلك امتناعهم عن التحقيق، أو تحميل الضحايا وأسرهن المسؤولية، أو تجاهل الأدلة (Amnesty International, 2025).
وفي ظل استمرار الإفلات من العقاب، تعيش النساء في هذه المناطق في حالة من الرعب والتأهب المستمر، وسط مؤشرات على أن بعض المختطَفات تعرّضن للتزويج القسري، أو الاستغلال، أو الاحتجاز في ظروف تهدّد سلامتهن الجسدية والنفسية، وفق ما جاء في إفادات وشهادات موثّقة.
إن ما ورد في قضية مي سلوم، من تضارب في الروايات الرسمية، ومنع التواصل معها، والحديث عن قرارات صادرة عنها في ظل ظروف غير معلومة، يؤكد الحاجة العاجلة إلى تحقيق مستقل وشفاف، ويشير إلى احتمالية تكرار نمط من الانتهاكات التي سبق توثيقها في هذا السياق.
نطالب بتحرك عاجل من الجهات الحقوقية والنسوية المختصة إقليميًا ودوليًا، للضغط من أجل الكشف عن مصيرها، وضمان استقلالية قرارها، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب في القضايا التي تمسّ سلامة النساء وحقوقهن الأساسية.
ولا بد أيضًا من التأكيد على حماية عائلتها، التي تتعرض لضغوط وترهيب. ونحمّل السلطات الأمنية كامل المسؤولية عن سلامة عائلة السيدة مي والمقربين منها.
اللوبي النسوي السوري
3 آب 2025