ناجية من الاعتقال، لكن لم تنجو من المجتمع
مريم جايد
(تنشر هذه المادة بالتعاون بين شبكة الصحفيات السوريات مع موقع حكاية ما انحكت)
إن ما تتعرض له النساء من انتهاكات داخل المعتقلات الأمنية، على الصعيدين النفسي أو العضوي، قد يفوق القدرة على التصوّر أو تحمّل نوعية الانتهاكات الوحشية الممارسة بحقها. سواء العضوي من شبح، بساط ريح، تعذيب بالكهرباء، تحرش، اغتصاب.. أو النفسي منها: بوضعها في منفردة ونسيانها لأيام أو أسابيع دون تحقيق، وتركها مجهولة المصير، أو إيقافها في كوريدور (ممر طويل) حيث يتم تعذيب معتقلين آخرين وتركها مطمشة ومذعورة لساعات، هي آلية ضغط للإدلاء باعترافات يرغبون سماعها، أو تهديدها بإحضار أحد أفراد عائلتها أو أحد أبنائها، جميعها انتهاكات لا تقل درجة أهميتها عن مفهوم الاغتصاب.
منذ بدايات الثورة السورية، استخدمت أنظمة المخابرات الأمنية، الاغتصاب كأداة حرب في قمع وترهيب المتظاهرات والمتظاهرين اجتماعيا. ولكونها، هذه الأنظمة، على معرفة بطبيعة المجتمع السوري وحساسيته لبعض المفاهيم العرفية كمعيار الرجولة والشرف، الذي ارتبط بأخت وأم وزوجة وابنة الرجل (المعتقل)، دون غيرها، فقد عملت على استغلال هذه الصورة النمطية، لدفع المجتمع لفرض قيود تحد من مشاركة المرأة في التظاهر، فقط لأن احتمالية تعرّض المرأة للاغتصاب في المعتقل متاح إلى حد كبير، وللحقيقة قد نجحت هذه الأنظمة في التأثير على الأهالي والجماعات ذوي الثقافات البسيطة، وترهيبهم من تداعيات فكرة الاعتقال.
عمل للفنانة السورية ديما نشاوي
نتيجة استغلال أجهزة المخابرات السورية لمفهوم الشرف في قضية اعتقال النساء، بشكل واعي ومقصود، دفع نسبة كبيرة من الأهالي، بشكل غير واعي وغير مقصود، للتعامل مع بناتهم ونسائهم على أساس فرضية أنهن مغتصبات لا ضحايا اغتصاب.
النظام بدأ بفرضية مدروسة وممنهجة، وكان المجتمع عموما والنساء خصوصا، ضحية هذه اللعبة، فالمجتمع ساعد في لعبة النظام دون وعي، وتعامل مع المرأة على أنها مذنبة ومشاركة لما تعرّضت له قسرا، فرفضها وحرمها من أبسط حقوقها في استئناف حياتها بشكل طبيعي هذا من ناحية. وقدم خدمة كبيرة للنظام بصمته وإجبار نسائه وبناته على الصمت عمّا تعرضن له في المعتقلات، وبالتالي تكتم عن الكثير من الشهادات، التي كانت ستدين انتهاكات النظام السوري و ممارساته بحق شعبه، كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من ناحية أخرى.
إن إشراك المجتمع للمرأة في عملية الاغتصاب الذي تعرّضت له في المعتقل، لا يقل، وحشية ولا همجية، عمّا عاشته وعانته طول فترة اعتقالها في فروع الأجهزة الامنية. فالكثير من النساء، تعرّضن للطلاق من أزواجهن، وهن لا زلن معتقلات في السجن المدني للنساء بعدرا، فقط لافتراض كونهن قد تعرّضن للاغتصاب. نساء حرمن من أطفالهن، فقط لكونهن معتقلات. نساء زوّجن قسرا، بعد فترة قصيرة من خروجهن من المعتقل، نساء حرمن من دعم أسرهن، من بيوتهن، حرّمن من العودة إلى حياتهن بشكل طبيعي، فقط لكونهن اغتصبن أو حتى لمجرد افتراضه.
إن تركيز اهتمام مجال عمل المنظمات النسوية/ النسائية/ منظمات توثيق انتهاكات النظام، بشكل خاص على قضية الاغتصاب في المعتقلات، هو من أجل تسليط الضوء وتوعية المجتمع على فكرة أن النساء الناجيات، ما هن إلا ضحايا وحشية هذا النظام، ولسن مشاركات أو مسؤولات عن كل ما تعرّضن له قسرا، في المعتقلات.
في صدد هذه المعطيات، يجب العمل على تغيير بعض المفاهيم العرفية التي أساءت ولا تزال، للمرأة السورية، والعمل على إعادة بناء مفاهيم تخلو من أي اساءة أو تمييز لكلا الجنسين، لتواكب المرحلة النوعية التي نعيشها، ولتضمينها من ضمن المتغيرات التي طرأت على الواقع الثقافي والاجتماعي للشعب السوري من بداية الحراك الحر،وحتى الآن.
في صدد هذه المعطيات أيضا، يجب في المرحلة الأولى التركيز على نوعية الخطاب الموجه ( اجتماعي، سياسي، ديني)، والجهة الموجهة له (مجموعة ناشطين، منظمة مجتمع مدني، مثقفين، محامين)، وإلى من يوجه (مشايخ، روؤساء العشائر، مجموعات متعلمة، غير متعلمة). أما المرحلة الثانية فتتضمن الاستعانة بالمشايخ وروؤساء العشائر، للمشاركة في صياغة خطاب موجه للأفراد والجماعات، التي لم تكمل تعليمها، أو ذوي الثقافة البسيطة، على أن يحتوي على مفاهيم بسيطة، وتضمين الخطاب ببعض البراهين والأدلة الدينية المقنعة، إضافة إلى الخطاب الشفهي الموجه للجماعات الأمية، وكبار السن، أو التي لم تتلقى تعليما.
دور المنظمات النسائية/ النسوية، منظمات المجتمع المدني، منظمات حقوق الإنسان، هو في تبني هذا الخطاب، والترويج له، والتوعية به من خلال وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، والقيام بفعاليات تتيح لقاء وحوار الأفراد من مختلف العقليات والثقافات ببعضهم البعض، من أجل العمل على تغيير مفاهيم عرفية، عمرها أكبر من عمر النظام، لا زال أثره مهددا لحياة أو عائقا في استئناف حياة أخرى.
إنّ حملة الاعتقالات التي قامت، ولا تزال تقوم بها أجهزة المخابرات بحق المدنيين، لا فرق لديها، إن كنت معارضا أو رماديا، يكفيها أنك من توّلد منطقة معينة، خرج منها أهلها للتظاهر، وعلى هذا فاحتمال اعتقالك قائم واحتمال تعذيبك قائم واحتمال أن تكون ضحية اغتصاب أيضا قائم، فلا فرق لديها، إن كنت رجلا أو امرأة، طفلا أو مسنا. كلنا ضحايا وحشية وهمجية هذه الأنظمة الفاشية، ومن لم يعتقل، كان محظوظا، ومن اعتقل ونجى من الاعتقال (الرجال عموما، والنساء خصوصا)، لذا علينا أن نفكر كيف نشعرها بالدفء والأمان، كيف ندعمها في العودة إلى حياتها بشكل طبيعي من جديد، نشجعها على البوح والتذكر، أي كيف نساعدها في معالجة الآثار العضوية والنفسية لما واجهته هناك، بدل أن نعاقبها كما عاقبها النظام.يعاد نشر المقال كمشاركة من شبكة الصحفيات السوريات مع حملة ما رح اسكت