سوزان خواتمي – صحفية وعضوة في اللوبي النسوي السوري
صار متوقعاً انتقاد المنظمات النسوية ومهاجمة الفكر النسوي، بل وكثيراً ما يتم محاكمته ومطالبته بتوضيح هويته وإثبات قدرته على التواجد في الحيز العام، باعتباره -حسب اعتقادهم- تقليدٌ لنظريات غربية تشجع النساء على الخروج من عباءة التقاليد والأعراف، ليتجرأن على المطالبة بحقوق ليس من المحمود المطالبة بها، فالموانع التي تأسست تاريخياً بمفاهيم ذكورية عميقة استحكمت لتُفصّل على مقاسات تلائم أو لا تلائم النساء.
لتغيير المفاهيم السائدة، وتحقيق العدالة والمساواة لشريحة النساء التي تشكل نصف المجتمع، تبذل المنظمات النسوية والمبادرات والتجمعات الداعمة والمناصرة لقضايا المرأة جهوداً لا يستهان به لإحراز تقدماً في مجالات تأهيل النساء لمراكز صنع القرار، ومناهضة قضايا التحرش، وإلغاء بنود التمييز في الدساتير والقوانين، وتجريم العنف الأسري، والحد من ظاهرة تزويج الصغيرات، وغيرها من القضايا الشائكة.
رغم أحقية تلك المطالبات سوى أنها لم تصل بعد لأن تصبح جزءاً من وعي القاعدة الشعبية الأوسع، وهذا ما يدعو إلى التفكير بوسائل قادرة على الانتشار والوصول إلى شرائح الناس بكل أطيافهم تساهم في تغيير المفاهيم السائدة.. تلك مهمة الاعلام.
الرأي العام..
لا يقتصر دور السينما والتلفزيون على هدف الاستمتاع والمتعة البصرية، فهو في ذات الوقت قادر على أداء دور المحرض في توجيه الرأي العام، والتسويق لأنساق فكرية بعينها، وغرس المبادئ والقيم، الأمر الذي جعله “موجهاً” من قبل الأنظمة الحاكمة المسيطرة على قطاع الإنتاج والبث لنشر ما يناسبها من إيديولوجيات وسياسات، فوسائل الاتصال هي التي توجه اهتمام الجهور نحو قضايا بعينها، وهي التي تطرح الموضوعات عليه، وهي التي تقترح ما ينبغي أن يفكر فيه.
يتضح ذلك عندما تبالغ وسائل الاعلام في تقديم مواضيع وقضايا ترسخ وجهة نظرها.
في بحث يحمل عنوان ” دور وسائل الاعلام في صناعة الصورة الذهنية” يوضح د. عبد القادر علال :
[إن الكيفية التي يتصرف بها الإنسان تعتمد على “الصورة الذهنية” وهو مصطلح أطلقه لأول مرة والتر ليمان ويصلح أساساً لتفسير الكثير من عمليات التأثير التي تعمل بها وسائل الاعلام، وتستهدف بشكل رئيس ذهن الإنسان، ويعتبر التأثير في الاعلام والاتصال هو ثمرة أداء توجه الرسالة نحو المتلقي، وتغيير أو ترسيخ أو زرع أفكار وصور وفق الهدف المعد مسبقاً ، وهو الدور الذي تؤديه وسائل الاعلام لتشكيل صور ذهنية عن المواضيع والقضايا لدى المتلقي، لذلك فإن أي تغيير يصيب الصورة الذهنية يتبعه بالضرورة تغيير في السلوك.] *
ما الذي ينطبع في أذهاننا، فيما نتابعه عبر البرامج التلفزيونية؟
قضايا المرأة..
رغم تحولات أوضاع المرأة في الآونة الأخيرة، ومشاركتها بأدوار فاعلة في ثورات الربيع العربي، وشجاعتها المشهودة في مواجهة أوضاع اللجوء والهجرة وضنك العيش، إلا أن تداول قضاياها في الدراما والبرامج العربية مازالت ضبابية ومتحاملة باستثناء أعمال قليلة هدفت إلى معالجة حقوق المرأة، وحاولت إحداث تغيير حقيقي في المنظومة المجتمعية، كما في مسلسلات مثل “قلم حمرة، زمن العار، ظل امرأة، فاتن أمل حربي” ، وفي أفلام مثل ” أريد حلاً، هلأ لوين، كفر ناحوم، عفواً أيها القانون”، وأيضاً الأفلام الوثائقية التي عرضت دور النساء في الحرب، وإن كانت أقل مشاهدة.
تلك الأعمال بما طرحته من قضايا إشكالية أثارت ردود فعل متباينة، وأدت في بعض الأحيان الى التغيير على المستوى القانوني والإصلاحي، فقد تحرك البرلمان المصري مؤخراً لمناقشة قانون الولاية على الأطفال بعد عرض مسلسل “تحت الوصاية” .
لكن… الدراما بإنتاجها الأوسع مازالت تحصر المرأة بأدوار الضحية.. اللعوب.. الانتهازية.. المعنَفة.. المستسلمة.. القاصرة عن اتخاذ القرارات السليمة، أما تشيئها كسلعة تسويقية فحدث ولا حرج.
كما تعمد السينما التجارية إلى تقديم مشاهد التحرش باعتبارها محاكاة لإرث ذكوري، وطريقة للفكاهة والتندر، الأمر الذي لا يمكن فهمه إلا بأنه أحد أشكال التحريض على التحرش، فحالة الايهام التي تخلقها المشاهد البصرية تدفع المراهقين والمراهقات إلى تقليدها، وترسخ عند المتابعين والمتابعات المفاهيم المغلوطة.
تستطيع الدراما أن ترفع مستوى الوعي العام وأن تخفضه وتشله أيضاً، ويعود قرار ذلك إلى توجه الجهات المنتجة، وإلى دور الجهات الرقابية عندما تتعامى عما يعرض من قضايا مسيئة ومهينة للنساء.!
إلى أن تتكافل الجهود باتجاه تغيير واقع المرأة، ويهتم أصحاب القرار بالدور التوعوي للدراما، يصبح تغيير الثقافة مجتمعية التي أسس لها الفكر الذكوري أمراً ممكناً.
* مجلة المواقف للبحوث والدراسات في المجتمعات والتاريخ