بقلم ريما فليحان
رحلت بسمة قضماني بهدوئها المعتاد بعد أن قاومت مرضها بشجاعة وتمسّكت بالأمل حتى النهاية ، الأمل في إكمالها النضال من أجل تحقيق حلمها وحلمنا جميعا في الوصول لسوريا حرة ديموقراطية تتحقق فيها كرامة مواطنيها ومواطناتها وتتحقق فيها المساواة دون أي تمييز، لقد كان رحيلها مؤلماً للغاية لنا جميعا نحن صديقاتها ورفاق دربها في النضال النسوي والسياسي ممن تشاركنا الآلام والأوجاع في مواجهة نظام مستبد طاغية، ومعارضة ذكورية لم تخلق لبسمة ولمثيلات بسمة مناخاً مرحّباً بمشاركة النساء بالعمل العام بالرغم من الكفاءة والحنكة والطاقة التي تمتعت بها بسمة قضماني والتي كانت تؤهلها لتكون في واجهة العمل السياسي المعارض بل وقيادة سوريا المستقبل..
حروب قذرة شُنّت على بسمة قضماني لتطفيشها من العمل العام على الرغم من قدراتها السياسية العالية ودبلوماسيتها وقدرتها على التعامل مع المجتمع الدولي، بينما صدّرت للواجهة في بعض الأحيان شخصيات لا تمتلك شيئا سوى البعبعة والرياء والتبعيات والدعم من دول إقليميه أو قوى الإسلام السياسي، والأخيرة لم تفعل إلّا أن شوّهت ثورة السوريين والسوريات وحصرتها في زوايا ضيقة خانقة لأحلام رعيل الثورة الأول المنفتح نحو الديموقراطية والعلمانية والحريات والمواطنة المتساوية …
التقيت بسمة للمرة الأولى عام ٢٠١٢ في المجلس الوطني السوري بعد أن اضطررت للخروج من سوريا في نهاية عام ٢٠١١، ولفتتني براعتها واتّساع مداركها وحنكتها، وكانت تلك المرحلة التجربة الأولى لعملنا معاً، فتضامنّا وواجهنا معاً كثيراً من التحديات.
كنا نحمل الكثير من الأفكار المشتركة عن سوريا المستقبل، وكانت تلك بداية صداقةٍ متينةٍ جمعتنا بعد ذلك واستمرّت في مفاصل العمل المدني والنسوي السياسي من أجل بلدنا المنكوب..
بسمة الإنسانة كانت هادئة لمّاحة لديها طاقة هائلة للعمل، وفيه، وصادقة في تعاملها مع الآخرين.
بسمة قضماني شكلت بحضورها علامة فارقة في المعارضة السورية التي لم تُرحّب بها كما تستحق، بعكس الحركة النسوية التي شكّلت لكل عضواتها بيئة داعمة ومناخا ملائما للعمل العام والنضال، فكانت بسمة عضوة مؤسسة لكثير من مؤسساتها كان منها شبكة المرأة واللوبي النسوي السوري والحركة السياسية النسوية السورية التي كانت من قياداتها الفاعلات..
على هامش تلك اللقاءات التي جمعتنا ضمن نشاطات النساء السوريات كانت بسمة شخصية لطيفة محببة مرحة جميلة المعشر وكانت وفيّة لنا جميعاً وللنضال النسوي، خلّاقة في طروحاتها، متواضعة، مستمعه ومنفتحة الذهن للأفكار القادمة من الجميع، وجاهزة لدعم تلك الأفكار والعمل من أجلها، كانت قادرة على أن تعمل بشكل فردي أو ضمن فريق بنفس المهارات والقدرات وهو ما جعل العمل معها أمراً محبّباً للجميع..
لن أنسى زيارة صديقتي بسمة لي في أستراليا عام ٢٠١٨ لأيام قليلة، كان هدفها من الزيارة أن تطمئن على أحوالي في منفاي، وكان في تلك الزيارة أحاديث طويلة عما مررنا به معا، تجاربنا الشخصية شجوننا وآمالنا، وعن رؤيتنا لمستقبل بلدنا، ويعزّ عليّ أن بسمة وكثيرون ممن خطفهم الموت من أمثالها ومثيلاتها من المخلصين مضوا دون أن يقطفوا ثمار نضالهم في رؤية بلدهم حر مشرق، بل أنهم مضوا في لحظة كئيبة من تاريخنا، ونحن نجدف في دوامات الانكسارات الإنسانية والسياسية ولعلّ تلك الانكسارات عجلت برحيلهم وجعلت سوداوية هذه المرحلة أكثر قتامة..
نبادل الوفاء لبسمة اليوم عبر استمرار نضالنا نحن النسويات السوريات، على الرّغم من الألم الذي نحمله لما أصاب شعبنا من ويلات، ومن رحيل الأحبة أو اختفائهم، مستمرات ونحن نحمل جعبة خيباتنا الكبرى من المجتمع الدولي والدول الإقليمية التي تعاطت مع قضيتنا بفشل ذريع او استغلال فاحش، مستمرات في العمل من أجل بلدنا ومن أجل السوريات والسوريين على الرغم من بشاعة المرحلة، وبغض النظر عن النتيجة الآنية او المستقبلية، لأننا ببساطة صاحبات حق، ولأننا لن نفرط بتعب وتضحيات من رحلوا ممن عرفناهم او من لم نعرفهم ولأننا نحب بلدنا ونحب شعبنا..
وسواء رحلنا في منافينا كبسمة أو كتب لنا أن نشهد طلوع فجر مشرق على بلدنا المكلوم، سنستمر، وسيستمر من بعدنا أبنائنا وبناتنا فهم شهود التجربة وسيرثون حلمنا وألمنا وحبنا لبلدنا، شاء من شاء وأبى من أبى.. بسمة قضماني رحلت عن عالمنا لكن حلمها وتاريخها باقيين في وجداننا ولن ننسى.