آلاء محمد – صحفية سورية وعضوة باللوبي النسوي السوري
الخطاب الديني والمجتمعي يعززان شعور استحقاق الرجل
اسمها “نيرة أشرف” قتلت على يد زميلها في الجامعة بطريقة وحشية، طعنها بالسكين عدة طعنات في صدرها ومن ثم قام بذبحها على مرآى الناس وفي وضح النهار وأمام باب الكلية! هل انتهت القصة؟ بالتأكيد لا لم تنته بعد.
قبل فترة ليست بطويلة، قتلت الشابة السورية سيلفا الهنيدي البالغة من العمر 22 عاماً على يد شاب رفضت أن تتزوجه أيضا، إذ قام بطعنها عدة طعنات أيضا في النهار وأمام الناس، أثناء ذهابها إلى عملها في أحد مستشفيات المدينة التي تعيش فيها في تركيا.
وفي الأردن قتلت الشابة السورية مريم حمدو 27 عاماً متأثرة بإصابتها نتيجة طعنها بأكثر من 15 طعنة بأداة حادة من قبل شاب لم تقبل الزواج به.
وهذه الجرائم ليست الوحيدة، إذ يكاد لا يمر يوم واحد دون أن نسمع عن جريمة ما ترتكب بحق النساء في المجتمعات الشرقية، إننا كنساء نقتل في منازلنا التي من المفترض أن تكون ملاذنا الآمن، ونقتل في الشوارع والحدائق وتحت مظلة الحكومات والقوانين والأديان، نقتل على ألسنة الناس المبررة لضربنا وإهانتنا وفق ما تحكمه العادات والتقاليد والأعراف.
الاستحقاق! لماذا لا يفهم الرجل كلمة لا؟
ثمة فئة من الذكور لا يتقبلون أن يتم رفضهم ولا يؤمنون أساسا بحق المرأة بقبولهم أو رفضهم، وهذا الأمر مرتبط بثقافة الذكر صاحب الأفضلية والمرأة الخانعة الخاضعة المستكينة لأمره ورغباته، أي من منظور جندري متعلق بالهويات والأدوار الاجتماعية، وأذكر هنا المقولة المشهورة “يتمنعن وهن راغبات” التي سلبت المرأة حقها في قول “لا”.
وتندرج هذه الجرائم والانتهاكات تحت شعور “الاستحقاق” الذي يشعر به الرجل، حيث يرى أنه من حقه الحصول على أية امرأة أرادها ولا يوجد خيار لديها بالرفض، والقبول هو الخيار الوحيد، وإلا فإنه يشعر بالإهانة الشخصية، وبالإذلال كرجل، ويرى أن من حقه أخذ ما يريد امتلاكه أو معاقبة التي رفضته بلا رحمة.
والشعور بالاستحقاق يشكّل جزء من الذوات الرجولية، ويطبقونه معظم الرجال من حولنا في حيواتهم اليومية، ربما لا يدرك البعض ما يفعلونه، لأنهم نشأوا وتربوا عليه.
يعتبرون ما يريدونه حقوق أصلية لهم، ورأي المرأة غير مهم ولا يوجد داع لسؤالها أو الاستئذان منها، ويرون أنفسهم المتحكمين في أي علاقة القرار قرارهم والفعل لهم وما على النساء إلا التلقي والقبول غير المشروط.
خطاب ديني يعزز الاستحقاق
يساهم الخطاب الديني في تعزيز الاستحقاق لدى الرجل، يحملون الأنثى وزر الأخطاء التي يقوم بها الذكور، إذ قال الدكتور مبروك عطية، عميد كلية الدراسات الإسلامية الأسبق بجامعة الأزهر، على جريمة نحر شابة مصرية على يد شاب في وقت سابق : “المرأة والفتاة تتحجب عشان تعيش، وتلبس واسع عشان متغريش، وغض البصر للرجال المحترمة، لو حياتك غالية عليكي اخرجي من بيتك قفة، لا متفصلة ولا بنطلون ولا شعر على الخدود، عشان وقتها هيشوفك اللي ريقه بيجري ويقتلك”.
وعبدالله رشدي المعروف بآراءه المعادية للمرأة، قال “حرمانية امتناع الزوجة عن فراش زوجها إلا بعذر شرعي، وإلا فمن حقه أن يجبرها بالقوة على ما يريد، ممكن يشوهك عادي ويحرمك من جمالك، ممكن يكتفك ويذلك وممكن يستعبدك، هو الأقوى وطبيعي سيفرتكك”.
لا يمكن أن ننكر أن البعض يعتمد على المرجعية الدينية لتبرير ممارساتهم الذكورية ضد النساء ولاسيما ذات الطابع العنفي المختلف الأشكال، تماما مثلما حدث مع قصة الفتاة نير أشرف وردود الأفعال على قتلها، أحدهم اعتبر أنها تستحق القتل لأنها غير محجبة، وآخر وجد في لبسها إغراء لشباب المسلمين فقتلها حلال، ومنهم من استغل الفرصة لينادي بعدم الاختلاط في الجامعات ورفض تعليم الفتيات.
جرائم حدثت في الفترة الأخيرة
لم تكن نير ومريم وسيلفيا الوحيدات اللواتي قتلن في الفترة الأخيرة، فهذه منتهى 41 عاما، من محافظة اللاذقية توفيت في مستشفى مدينة الحفة، بعد 3 أيام من استقبالها في قسم العناية المشددة، بسبب منع زوجها العلاج والطعام والشراب عنها.
وتم العثور على جثة امرأة مقتولة بطلق ناري في الرأس في مخيم الهول جنوبي الحسكة، ملقاة في مجاري الصرف الصحي بالقطاع الخامس ضمن المخيم.
وفي مصر، أقدم رجل على قتل زوجته وابنته ثم انتحر عبر شنق نفسه، بينما فر الابن ونجا بأعجوبة بعد أن حاول والده قتله.
جريمة أخرى، حيث أقدم سائق “توك توك” على قتل زوجته بطعنتين في البطن أمام والدتها، لأنها رفضت العودة له بعد فرارها من منزله، وآخر قتل زوجته بضربها على رأسها بالفأس بعد مشادة كلامية بينهما!
هذه الجرائم كلها حدثت في فترة قصيرة قبل أشهر فقط، لذلك لابد من حراك مجتمعي كبير في جميع الدول العربية لمناهضة جرائم قتل النساء وللمطالبة بفرض قوانين أكثر صرامة وأكثر جدية للتعامل مع قضايا النساء.
ولابد من العمل على برامج إرشاد اجتماعية وقانونية ونفسية، لرفع وعي المجتمع تجاه المصائب والكوارث والجرائم التي ينتجها الفكر الذكوري في مجتمعاتنا، ويجب التركيز على الجانب النفسي بشكل جدي على اعتباره أحد مؤشرات احتمالية استخدام الفرد للعنف بكافة أشكاله وأساليبه.
خاص باللوبي النسوي السوري – حملة مارح أسكت