آلاء محمد – صحفية سورية وعضوة باللوبي النسوي السوري
طالما خلقت المجتمعات الأبوية الذكورية مبررات للعنف ضد النساء، فجعلته تربية وتأديباً باسم الدين والشريعة، ومباحا وفق القوانين، وأمر طبيعيا في الحروب والكوارث.
إذ تعيش النساء في هذه المجتمعات وسط أعراف وعادات وتقاليد عززت ممارسة العنف ضدهن وتقييد حريتهن، واختبرن أنواع كثيرة من العنف سواء الأسري أو المجتمعي أو الوظيفي أو القانوني أو الجنسي أو السياسي، وجاءت الحرب لتزيد الطين بلة ووضعتهن أمام انتهاكات مضاعفة وجديدة، فواجهن الاعتقال وملاحقات والتعذيب والعنف الجنسي والتهجير القسري والنزوح واللجوء والاستغلال بكل أنواعه.
أشكال العنف الموجه ضد النساء في الحروب كثيرة لا يمكن اختصارها في مقال قصير، وبالرغم من العمل الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني للتخفيف من حدة العنف إلا أنه لا يزال موجودة، لأن أسبابه قائمة.
جرائم تحت ذريعة الشرف والتحريض على قتل النساء
قبل أيام كنت أستمع إلى مقطع “بودكاست” يتحدث عن الجرائم المرتكبة تحت ذريعة الشرف، والقصة جرت في بداية عام 2011 مع بداية انطلاق الحراك الثوري في سوريا، حيث استغل الأب الفلتان الأمني وطلب من ابنه قتل أخته بحجة “غسل العار”.
منذ بداية الصراع المسلح في سوريا، انتشرت أخبار العديد من الجرائم المرتكبة تحت ذريعة الشرف في مختلف المناطق السورية القابعة تحت حكم سلطات الأمر الواقع.
منها قصة رشا بسيس، إحدى الضحايا اللواتي قتلن على يد أحد أفراد عائلتهن، والقاتل قام ببث لحظة ارتكابه الجريمة مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأطلق الرصاص عليها من رشاش “كلاشنكوف” وكان يصيح “غسلت عاري”.
وهناك عشرات القصص كشف منها القليل وما خفي أعظم، وهذه الجرائم المرتكبة بحق النساء مبنية أساسا على عقليات ذكورية تؤمن بأحقية سلطتها و سيطرتها الكاملة على المرأة، وربطت شرفها بجسد المرأة وعاطفتها.
“هذه المرأة حقها رصاصة في رأسها” هذه الكلمة سمعتها سيدة سوريا كانت متواجدة في أحد الأماكن من أجل تقديم تدريب مهني لمجموعة من النساء في منطقة شمال غرب سوريا، وحجة التهديد بقتلها أنها تقوم بتقوية النساء على رجالهن!
العنف الأسري
يعرف العنف الأسري، بأنه إساءة متعمدة بين أشخاص تربطهم علاقات ضمن حدود العائلة الواحدة أو الكبيرة، كعنف الزوج ضد زوجته، وعنف الزوجة ضد زوجها، وعنف أحد الوالدين أو كليهما تجاه الأولاد، أو عنف الأولاد تجاه والديهم، أو العنف بين الأشقاء، أو عنف الحموات والكنائن.
وبينت دراسات عديدة أن الزوجة هي الضحية الأولى للعنف الأسري، ويأتي بعدها في الترتيب الأبناء والبنات وكبار السن، وتشير هذه الدراسات إلى أن الرجل هو مصدر العنف بنسبة 99% .
وفي دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للمرأة على مستوى العالم، أكدت أن 35% من النساء في جميع أنحاء العالم قد تعرضن لأحد أشكال العنف الأسري في مرحلة ما من حياتهن.
وللعنف الأسري أنواع، منها الجسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي أو لفظي، وتواجه النساء السوريات كل أشكال العنف الأسري وزادت في زمن الحرب، حيث دفعت حالات النزوح واللجوء العديد من العائلات السورية إلى العيش مع بعضها البعض، الأمر الذي شكل عبئا كبيرا على النساء.
وداد سيدة سورية تعيش في شمال غرب سوريا، تعاني بشكل يومي من الضرب من قبل زوجها ووالدته وأخوته، وتعمل ساعات طويلة في خدمتهم دون أي اعتراض.
وقبل فترة تابعت فيديو لإحدى المؤسسات الإعلامية يتحدث عن امرأة سورية تعيش في أحد المخيمات، وقالت أن زوجها يضربها منذ بداية زواجهم ودخلت المشفى في مرات عديدة نتيجة الضرب، إحدها أطلق عليها طلق ناري وأخرى حرقها بماء يغلي ومرة طعنها بأداة حادة.
من المؤسف جدا أن نسمع بهذه القصص المؤلمة في مجتمعاتنا، ولكنها حقيقية وهي ناتجة عن العادات والتقاليد التي يرثها الأبناء عن الآباء والأجداد، تعززها النصوص الدينية والقانونية، التي منحت الرجل حق ضرب زوجته وأطفاله، وجعلته يعتقد أن مقدار رجولته يتمثل في قدرته على إهانة عائلته وترهيبها.
السبي والبيع والاستغلال الجنسي
وقع الحروب على النساء ثقيل جدا، وسمعنا عن بعض أشكال العنف التي مورست عليهن كنا نظن أنها قد انتدرثت، إذ تعرضت النساء الإيزيديات إلى عملية سبي وتم بيعهن في سوق النخاسة وأجبرت المسيحيات على التأسلم الداعشي أو دفع الجزية أو الرحيل، كما تم إجبار النساء المسلمات على ممارسة أفعال غير أخلاقية وبعيدة عن الإنسانية.
واختبرن النساء خلال عشر سنوات مظاهر جديدة من الغبن والضرر والإذلال وامتهان آدميتهن وكرامتهن الإنسانية، وهناك الكثير من المقابلات الصحفية التي أظهرت حقيقة ما جرى لكثيرات في ظل وجودهن في مناطق حكمتها تنظيمات متطرفة، وتحدثن عن المتاجرة بهن وتقديمهن كهدايا، وكأنهن شيء يباع ويسترد ويهدى ويلقى.
وفيما يتعلق بالاستغلال الجنسي، لا يختلف حال النساء بمختلف خلفياتهن الدينية كثيرا، ففي أثناء زيارة أجريتها لعدد من دور الأرامل لسماع قصصهن، تعرضت الكثيرات منهن للمتاجرة من قبل القائمين على الدار أو سماسرة زواج.
وأذكر مثال على ذلك، قصة الأرملة سميرة 38 وهي امرأة جميلة تزوجت 4 مرات من رجال من جنسيات عربية، وكل الزواجات كانت “كتاب شيخ” لم يتم تسجيلها، قالت لي حين سألتها لماذا قبلتي، أجابتني “كل فترة يحضرون لنا عرسان وكنت أعتقد في زواجي الأول أن سيكون زواجا حقيقا ولكنني أكتشفت أن الرجل متفق مسبقا أنه الزواج لمدة معينة، اخترت القبول على أن يطردوني من الدار”.
ويمكن القول، أن كل الانتهاكات التي وقعت بحق المرأة في الحروب، سواء القتل العمد والاستعباد والتهجير القسري والتعذيب والاغتصاب والإجبار على ممارسة الدعارة والحمل القسري أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي، أنها جرائم ضد الإنسانية، ويجب أن تتكاتف الجهود الدولية لمحاسبة المرتكبين وحماية النساء.
خاص باللوبي النسوي السوري – حملة مارح أسكت