لطالما ارتبط العنف ضد النساء في اذهان معظمنا بتلك الصورة القائمة على التفوق العضلي للرجل على المرأة
رجل ضخم يمسك امرأة من شعرها ويوسعها ضربا!
لكن هذه الصورة, هي الصورة المجتزأة للعنف الأكبر والأعمق. وهو عنف مركب منصوص عنه في حزمة مواد الدستور, ايضا في القوانين المشتقة من الدستور وهو:
- عنف تراثنا الذكوري ضد المرأة!
- عنف قوانين الدولة الذكورية!
- غياب قوانين حقوق الانسان من قوانين الدولة!
- غياب القوانين الحمائية للمرأة في منظومة قوانين الدولة!
- غياب القوانين الرادعة للعنف ضد المرأة!
- غياب تعريف قانوني للعنف الممارس ضد المرأة من منطلق جنسها!
بنى التراث الإنساني قيمه على التفوق العضلي. وقديما قام الرومان بقتل أي طفل ذكر يعاني من خلل /جسماني/ يجعله عالة على المجتمع: فالرجل للحرب وعضلاته وقوته البدنية وسيفه, هي من تحمي الدولة من الغزاة, كما هي اداة الغزو, أما المرأة فهي للجنس والولادة واعمال المنزل!
بعد تشكل الدول الحديثة ووضع المواثيق والمعاهدات التي تنظم الحروب, وبعد ان حلت الالة في الحرب مكان الاف الجنود, تنحت القوة العضلية جانبا: لكنها لم تتنح في المجتمع, كتراث اجتماعي ينتصر لتفوق الذكورة. ورغم التقدم القانوني والتشريعي الكبير الذي احرزته الانسانية في مجال حقوق الانسان, الا ان التمييز ضد المرأة مازال يكتسب صفة العالمية، لكن بنسب متفاوتة بالطبع حسب تقدم البلدان. ولا زالت الدول العربية تتصدر مقدمة الدول التي يتم تصنيفها على انها متخلفة, وبالضرورة الدول الاكثر عنفا ضد المرأة، مثلها مثل الدول الدينية: اي الدول التي تتبنى التشريعات الدينية وليس التشريعات المدنية لإدارة الدولة والمجتمع كشكل ماضوي متخلف عما وصلت اليه الدولة الحديثة في عصرنا الحالي.
ومع أن الدول العربية تبنت النسخ الاساسية للدساتير والقوانين المدنية من الدول العصرية الحديثة الا ان اضافاتٍ أُدخِلَت وقوانين أُبقيَت مع أن الدول التي أخذنا منها تلك المواد الغت تلك المواد من قوانينها الا انها مازالت في القوانين العربية. فمعظم القوانين المدنية العنيفة ضد المرأة في قوانيننا العربية مستمدة من قانون نابليون 1881 ومنها على سبيل المثال قوانين جرائم الشرف التي الغتها فرنسا عام 1973 , أيضا تزويج المغتصب من المغتصبة والتي الغته فرنسا عام 1996 الا ان هذه القوانين مازال معمول بها الى يومنا هذا في معظم الدول العربية.
خصوصية العنف في واقع المرأة العربية !
تنبع خصوصية العنف في واقع المرأة العربية من الشكل المعتمد للدساتير في غالبية البلدان العربية التي تحيل مرجعية التشريعات القانونية الى مصدرين اساسيين من التشريع: المصدر المدني والمصدر الديني وهو شكل مبتكر من الدساتير يمزج بين الدستور المدني أو العلماني وبين الدستور الديني. وبالتالي فهو ليس دستور مدني وليس دستور ديني, بل دستور يتقاسم الادوار بين سلطتين: السلطة السياسية والسلطة الدينية, التي تولت كل قضايا الاسرة من خلال قانون الاحوال الشخصية: من زواج وطلاق وحضانة اطفال وولاية وميراث وغيرها.
معضلة هذه القوانين الدينية ليس انها قوانين تعود لمجتمع عاش قبل الف عام, ولكن المعضلة ان هذه القوانين تعتبر الهية, مقدسة, تصنع من واقع المرأة معضلة حقيقية لا يمكن تخطيها. . وانطلاقا من هذه الحالة المستعصية, التي تغيب عنها الحياة السياسية, فقد تركز نضال النشطاء الحقوقيون والمدنيون في فضاءين للنضال:
فضاء البحث والغوص في الفقه الديني كي يعثروا على يعزز هذا النضال وما هومغاير للتفسيرات المعتمدة الذي اشتقت منه التشريعات التي تقهر المرأة بحجة الشريعة، والنضال في فضاء الحقوق المدنية المنصوص عليها في تشريعات الدولة !
هذا الواقع المربوط ظلما بالقداسة لا يمكن تعديله او اصلاحه الا بمباركة السلطة الدينية المرتبطة بالسلطة السياسية بشكل مباشر أو غير مباشرو الكوادر الدينية يحجز لها مكان في وظائف الدولة التي بمعظمها تكون: خطيب جامع. وهذا الخطيب يتولى ادارة ثقافة المجتمع بشكل عام من خلال الثقافة الدينية، في غياب شبه كامل، وعجز كامل لمؤسسات الدول العربية أمام المؤسسة التربوية الدينية!
هذه هي الصورة المختصرة لقوة تجذر المؤسسة الدينية في بلداننا العربية، والتي تعكس مدى صعوبة انجاز أي تغيير إلا إذا أرادت المؤسسة ذلك. وهذا لم يحدث عبر عقود طويلة، لكن تلك العقود طالما كانت حبلى بالكثير من الأسماء التي اعتنقت التنوير والاصلاح ودفعت اثمانا باهظة في تحديها لما اعتبرته استعمارا للعقول, ومعينا لسطوة استبداد الدولة عبر التشارك معها في الحكم, وعبر تقديس التراث والاحكام الوضعية فيه, منطلقين من واقع المرأة في هذا التراث الذي يعامل المرأة بعيدا عن تغيرات الحياة المعاصرة ويسجنها مع المجتمع في زمن يبعد عنا 800 عام على الاقل!
وهنا لا بد من ذكر المجددين الاوائل كالمناضل الشيخ محمد عبده, الذي وصفه محمود عباس العقاد ب عبقري التنوير. ووصفه الكاتب السيد يوسف (برائد الاجتهاد والتجديد للفكر الديني). كما وصفه آخرون (بباعث الدولة المدنية وإمام المجددين) ، وقال عنه الكاتب والمفكر محمد عمارة: (إنه مجدد الدنيا بتجديد الدين ), لكن كل ذلك لم يشفع له. وحين طالب باتباع منهج العقل, وبفصل الدين عن السياسة، كانت تهمة العلمانية, والعقلانية حاضرة. وكنتيجة طبيعية لكل من يقف في وجه السلطة الدينية.
أُجبِر على التخلي عن رئاسة الازهر الذي تسلمه عام 1899. و نُعت بالزندقة بعد عدة آراء هددت الفكر الجامد في المؤسسة الدينية، سيما فتواه التي تجيز لولي الأمر ابطال العمل بتشريع تعدد الزوجات /اذا كان فيه ضرر للمجتمع/. وهذا ما اعتمدت عليه تونس لاحقا حين منعت تعدد الزوجات من تشريعاتها, منطلقة من الواقع الاقتصادي الضعيف الذي تمر به البلاد, وبذلك سيكون الاطفال هم المتضرر الاول من تعدد الزوجات!
من مدرسة الشيخ محمد عبده خرج الكثير من البحاثة والمتنورين والمجددين, من ابرزهم التونسي الطاهر الحداد الذي دعى الى تحرر المرأة المسلمة من قيود المجتمع, وطالب بالطلاق المدني, ورفض تعدد الزوجات معتبرا انه (سنَّة سيئة ورثت من أيام الجاهلية) . ومن أشهر مؤلفاته (إمرأتنا في الشريعة) عام 1930 م .. وبسبب هذا الكتاب حُرم الحداد من الحصول على شهادة الحقوق وطُرد من قاعة الامتحان بأمر ملكي لما احتواه هذا الكتاب من تجرأ على ثوابت الدين. توفي الحداد يوم 7 ديسمبر 1935 ولم يسر في جنازته سوى القليل من اصدقائه. لكن كلماته لم تمت وبقيت في الصدور إلى أن جاء الاستقلال وتحولت كلماته إلى قوانين ملزمة ممثلة بمجلة الاحوال الشخصية.. قال عنه عميد الأدب العربي طه حين بعد الفراغ من قراءة كتابه: لقد سبق هذا الفتى قومه بقرنين.
هذا الفضاء من النضال فيه مئات الحوادث عن اضطهاد السلطة الدينية لأي مجتهد في يسعى للتجديد في مسار الفقه الاسلامي امن أجل مواكبة مسيرة الحضارة الانسانية العصرية ومسيرة بناء الدولة الحديثة التي يعطلها تدخل الدين كسلطة كاملة على المجتمع, وكشريك مع السلطة السياسية. فما يُطرح مدنيا يصطدم بالديني ولا يعترف بأحقيته, لكن العكس ليس صحيح, وهنا عنق زجاجة كل مشاريع التقدم والتطور في بلداننا العربية, وضمنا: تطور واقع المرأة العربية. فأي محاولة للمطالبة بحق المراة في المساواة مع الرجل من قبل المجتمع المدني او الاحزاب السياسية, يقف لها ممثلوا السلطة الدينية بالمرصاد بحجة ان هذه المطالب مخالفة للشريعة الاسلامية.
ولن يخرج أي قانون لصالح المرأة تقدمه السلطة السياسية, للضوء, ما لم توافق عليه المؤسسة الدينية, الا بالقوة, كما حصل في تونس في عهد بورقيبة. لكن ايضا تقدما مميزا حصل في المغرب العربي بفضل قوة المجتمع المدني والحراك النسوي وتعاون الارادة السياسية, ووصوله لتحقيق انجازا متفردا بين الدول العربية عام 2018, وهو استصدار قانون: محاربة العنف ضد المراة!
تشريعات قانونية لمواجهة العنف ضد المرأة!
يعتبر واقع المرأة في الدستور والقوانين هو المؤشر والمعيار الاوضح على مستوى حقوق الانسان في اية دولة. ومن التشريعات القانونية يتم الانطلاق لتغيير أو تطوير واقع المرأة. فالتمييز والاضطهاد منصوص عليه علانية في دساتيرنا العربية (باستثناء تونس) ومن ثم في القوانين المشتقة من هذه الدساتير. ولأن البلدان العربية تتشارك ذات الوصفة في الادارة وتتقاسم ذات المواصفات في كونها بلدان محكومة بالدين والأمن والعسكر, وبالتالي محكومة بالفساد وقمع حرية التعبير والحياة السياسية, كان المجتمع المدني هو المساحة التي انطلق منها التغيير منذ عهد ما بعد الاستقلال. وتتفاوت قوة المجتمع المدني في البلدان العربية وفقا لمساحة الحرية النسبية الممنوحة من قبل السلطة السياسة. ولأن تونس كانت السباقة في التصدي للتشريعات الدينية لصالح المجتمع والدولة منذ العهد الاول للجمهورية بعد الاستقلال. تمكنت من تحقيق انجازات متفردة في واقع المرأة. فهو البلد الاول الذي ابطل العمل بتعدد الزوجات. واعتبر شهادة المراة كشهادة الرجل وليست بنصف شهادة كما ينص عليه الشرع الديني المعتمد في بقية الدول العربية. وكان البلد العربي الاول الذي صادق, ورفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة: /سيداو/ . وابطلت قانون زواج المغتصب من المغتصبة. وصولا الى اصدار:
قانون القضاء على العنف ضد المرأة 2017:
// الذي يشمل العنف الأسري، والذي أقره البرلمان التونسي في 26 يوليو/ تموز 2017، كخطوة مفصلية لحقوق المرأة. والذي يزود النساء بالتدابير اللازمة لحصولهن على الحماية من أعمال العنف التي يرتكبها أزواجهن وأقاربهن أو غيرهم. كما قدم القانون تعريفا للعنف ضد المرأة بأنه “كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب بإيذاء أو ألم جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء في الحياة العامة أو الخاصة”. كما يجرّم القانون التحرش الجنسي في الأماكن العامة، واستخدام الأطفال كعمال منازل، ويغرم أصحاب العمل الذين يميزون عمدا ضد النساء في الأجور.
يتضمن القانون التزامات بمساعدة الناجيات من العنف الأسري، منها تقديم الدعم القانوني والطبي والمتعلق بالصحة العقلية. كما يسمح هذا القانون للنساء بالتماس أوامر زجرية ضد مرتكبي الانتهاكات ضدهن، دون تقديم دعوى جنائية أو طلاق. يمكن للأوامر، من بين أمور أخرى، أن تلزم الجاني المشتبه به بإخلاء المنزل، والابتعاد عن الضحية وأطفالها، والامتناع عن العنف أو التهديد أو الإضرار بالممتلكات أو الاتصال بالضحية. تعتبر “هيئة الأمم المتحدة للمرأة”، وهي كيان الأمم المتحدة المعني بالمساواة بين الجنسين، هذه الأوامر من بين أكثر سبل الانصاف القانونية فعالية لحماية النساء من العنف.
يدعو القانون إلى إنشاء وحدات للعنف الأسري داخل “قوات الأمن الداخلي” التونسية لمعالجة شكاوى العنف الأسري، وتعيين وكيل جمهورية مساعد في كل ولاية لمعالجة هذه الشكاوى. ينص القانون أيضا على تحميل المسؤولية الجنائية لـ “العون التابع للوحدة المختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة الذي يتعمد ممارسة ضغط على الضحية أو أي نوع من أنواع الإكراه لحملها على التنازل عن حقوقها أو لتغيير مضمون شكواها أو الرجوع فيها”.//
قانون محاربة العنف ضد النساء: المغرب 2018:
من الخطوات التي نتمنى ان نحققها يوما في بلداننا العربية كافة, صدور القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء في المغرب, والذي يعتبر انجازا قانونيا لمحاربة العنف ضد المرأة في كل أشكاله في المغرب. وقد عرف القانون العنف ضد المرأة: “كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة” ، لكن القانون لم يعرِّف ”العنف المنزلي“ ولم يعرِّف “الاغتصاب الزوجي”, ولم يجرمهما!
ومن بين النقاط الواردة فيه تجريم الطرد من بيت الزوجية، وتجريم التحرش الجنسي المرتكب من قبل الزميل في العمل أو الشخص المكلف بحفظ النظام العام والأمن العمومي.”
ويهدف هذا القانون ، الذي دخل حيز التنفيذ في سيبتمبر 2018 إلى توفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف، من خلال أربعة أبعاد، هي البعد الوقائي, الحمائي, الزجري والتكفلي. وتتجسد أهم مضامين هذا القانون في:
// تحديد مفهوم العنف وأشكاله. إحداث هيئات وآليات للتكفل بضحايا العنف. اعتماد منهجيات وأطر مؤسساتية للتنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال مناهضة العنف ضد النساء وحمايتهن، مثل السلطة القضائية، والأمن الوطني، والدرك الملكي، والقطاعات الحكومية المعنية. تجريم بعض الأفعال باعتبارها عنفا يلحق ضررا بالمرأة، كالامتناع عن إرجاع الزوجة المطرودة من بيت الزوجية، والإكراه على الزواج، والمساس بحرمة جسد المرأة، وتبديد أو تفويت أموال الأسرة بسوء نية. تجريم بعض الأفعال باعتبارها صورا من صور التحرش الجنسي، مع تشديد العقوبات عليها في حالة ارتكاب الفعل في ظروف معينة ومن طرف أشخاص محددين، كأحد الأصول أو المحارم، وزميل في العمل، وشخص مكلف بحفظ النظام. تشديد العقوبات على بعض الأفعال الموجهة ضد “نساء في وضعية خاصة”، كالعنف ضد امرأة حامل، أو ضد الزوجة أو الطليقة بحضور الأبناء أو الوالدين. اعتماد تدابير حمائية جديدة، مثل إبعاد الزوج المعتدي، وإنذار المعتدي بعدم الاعتداء، في حال التهديد بارتكاب العنف مع تعهده بعدم الاعتداء، وإرجاع المحضون مع حاضنته إلى السكن، ومنع الاقتراب من الضحية أو من سكنها. التنصيص على عنصر الفورية في اتخاذ التدابير الحمائية، مع تقرير عقوبات على خرقها.//
صحيح ان العنف ضد المرأة هو قضية عالمية. وبرغم كل التقدم الذي انجزته البشرية في مجال حقوق الانسان, والتشريعات الداعمة لها, الا ان المراة تتعرض للعنف. لكن الفارق بيننا كدول عربية، وبين العالم المتقدم هو في القوانين: الرادعة للعنف والقوانين الحمائية منه والقوانين الداعمة للضحايا.
–
خاص اللوبي النسوي السوري- حملة ما رح أسكت