نحو وعي نسوي
مقدمة نحو وعي نسوي:
تواجه الناجيات من الاعتداء الجنسي في سياقنا معاناة مضاعفة جراء هشاشة الخدمات الصحية والنفسية والقانونية الموجهة لحالتهن، فرغم وجود بعض المنظمات الغير حكومية التي تقدم خدمات نفسية وقانونية، إلا أن الوصول إليها يعرف العديد من العراقيل أهمها وصمة الاعتداء الجنسي التي تلاحق الناجيات النابعة من ثقافة الاغتصاب المتجذرة في البنيات السياسية والاجتماعية والتي تلقي باللوم عليهن، وهي وصمة لا تخص المجتمع والعائلة فقط بل تنتشر في المؤسسات الرسمية كمفوضيات الشرطة والمحاكم. لذلك يصبح التبليغ عن الاعتداء أو طلب المساعدة بالنسبة للناجيات موازيا لألم الجريمة نفسها، هذا بالإضافة إلى أن الخدمات الموجهة للناجيات تتركز في بعض المراكز الحضرية وغير متاحة لباقي المناطق. فتبقى الناجية تصارع الألم النفسي وألم مابعد الصدمة بمفردها وقد لا تتعافى أبدا.
جميعنا واجهنا موقف العجز عن تقديم مساعدة لمن نحبهن/م في أوقات مصيرية وموجعة مثل التعافي من صدمة الاعتداء الجنسي. والكثير منا قد يكون تعرض للاعتداء والعنف الجنسي أو يعرف من تعرضت له لكن آليات التعامل مع مابعد صدمة الاعتداء الجنسي هي شيء لم نتعلمه ولم نجد امتياز معرفته، ذلك أن سياقنا لايزال يجرم الناجية ويشجع المعتدي، لايزال يرسخ في كل مؤسسة اجتماعية ورسمية القيم الأبوية التي تمنح السلطة على الأجساد وتمنح الحق في انتهاكها حتى في أكثرها قربا منا كمؤسسة الأسرة التي تجبر الناجيات على الصمت أو تشارك في مفاقمة العنف ضدهن باعتبار أن العنف الجنسي هو “عار” و”فضيحة” و “انتهاك للشرف” وهذا ساهم في ازدياد قيود الإسكات على الناجيات فأغلبهن يصارعن التعافي بمفردهن خوفا من الوصم والنبذ والعقاب الذي يواجههن داخل البيت والمجتمع ومؤسسات الدولة.
ولأن سياقنا يعرف خصاصا حقوقيا في الخدمات النفسية والاقتصادية والصحية والقانونية الموجهة للناجيات وللناجين من العنف الجنسي مما يفاقم الأثر النفسي والتبعات الصحية عليهن/ن، يبقى الرهان ومصدر المساعدة والرعاية فيدنا نحن كأفراد عائلة وأصدقاء وشركاء عاطفيين نؤمن بضرورة الدعم والتضامن وتحقيق العدالة البديلة التي قد نختصرها مؤقتا في مساعدة الناجيات ودعمهن وكسر حلقة الوصم والإدانة وترسيخ أن الخطأ لم يكن يوما خطأهن.
يوجد في هذه الترجمة بعضا من الإرشادات التي قد تساعدنا في تكوين صورة عن الدعم الذي يمكننا تقديمه للناجيات من أصدقائنا أو أفراد عائلاتنا أو شريكاتنا/شركائنا، ليست إرشادات كلية أو شاملة لكنها تعتبر مساهمة مهمة في نشر ثقافة الدعم النفسي والعاطفي للناجيات وتشجيعهن على طلب المساعدة وكسر الصمت.
دليل الدعم النفسي للناجيات من الاعتداء والعنف الجنسي:
تعتبر هذه الفترة صعبة جدا بالنسبة للناجيات من الاعتداء الجنسي. إذا كنتِ تعرفين شخصا تعرض للعنف الجنسي هنا بعض من أفضل الطرق لدعمهن/م ودعم تشافيهن/م.
إن هذا الوقت صعب جدا خصوصا للناجيات من الاعتداء والعنف الجنسي. فبالإضافة إلى الصراع اليومي من أجل البقاء بصحة وآمان، فإن الناجيات من العنف الجنسي عليهن التعامل مع سلسة من الأخبار الموجعة.
لو لم تكوني انتِ ناجية لكنك قريبة لناجية – ربما شريكة، صديقة أو أحد أفراد العائلة – فربما لن تستطيعي فهم ما يمرون به، وربما قد تشعري بالعجز والضياع لعدم مقدرتكِ على تقديم المساعدة.
هنا ما قد تحتاجين معرفته ، وكيف يمكنك تقديم الدعم.
استمعي لقصصهن (إذا رغبن بالحديث)
لو علمتِ أن أحد المقربات منك ناجية من الاعتداء الجنسي وتمر بمعاناة، فيجب أن تعلم أنكِ موجودة إن أرادت الحديث. استمعي إلى قصص الناجيات المقربات منك، إن كن على استعداد لإخبارك. ربما أيضا أردن التعبير عن غضبهن، إحباطهن، خوفهن أو حزنهن عن أخبار أو أحداث حديثة. لا تضغطي على صديقتك/قريبتك/شريكتك للحديث أو إخبارك عن قصتها، لكن دعيها تعرف أنك مستعدة للاستماع لها متى ما أرادت.
أوصت بيفرلي أنجل، وهي معالجة نفسية ومؤلفة كتاب ” لم يكن الخطأ خطئك : تحرير نفسك من وصمة اعتداء الطفولة بمساعدة قوة التعاطف”، في رسالة إلكترونية، الناس المقربة من الناجية من الاعتداء الجنسي بأن تسأل – خصوصا إن كانت الناجية شريكة عاطفية- إن أرادات أي اتصال جسدي ( مثل مسك اليدين أو الحضن) بينما تقوم بسرد قصتها، لكن عدى عن ذلك يجب أن تمنح مساحة جسدية كافية وهي تتحدث. فالحديث عن تجربة كهذه من الممكن أن يكون شاق عاطفيا، وقد يستحضر ذكريات مؤلمة.
تقول “انجل ” لا تدعي غضبك الشخصي أو حزنك يكون عائقا أمام تواجدك بجوارهن لمساعدتهن”. فالغضب، حتى لو كان ممن فعل هذا بصديقتك أو حبيبيتك لن يساعد، وعلى العكس فربما يخيف الناجية ويجعها تنغلق على نفسها. عملك ليس “اصلاح” الناجية، بل جعلها تشعر بأنها أفضل، أو مساعدتها على تجاوز حزنها. عملك ببساطة هو أن تستمعي/تستمع.
ومن ناحية أخرى فإنه من المهم جدا تصديق رواية الناجية والتعبير عن ذلك. من المحزن قول هذا، لكن هذا هو الوضع الذي نعيشه الآن. دعيها تعرف انك تصدقيها أكثر من أي شيء آخر.
وتعطي “ويندي مولتز” وهي معالجة جنس وعلاقات ومؤلفة ” رحلة العلاج الجنسي: دليل للناجيات من الاعتداء الجنسي”، هذه القائمة السريعة لأجوبة قد تساعدك في الحديث مع الناجيات والرد على مشاركتهن لتجربتهن :
- شكرا لمشاركتكِ قصتكِ.
- انتِ لستِ الملامة على ما حدث معكِ.
- انتِ لا تستحقين ما حدث لكِ.
- انا آسفة أن هذا حدث لكِ.
- انا أدعمكِ وسأكون في رحلة تعافيكِ.
- احبك.
قومي بتوعية نفسك
رغم أن كل ناجية وكل قصة تختلف عن غيرها، لكنه من المفيد أن تقومي بتوعية نفسك عن أثر الاعتداء الجنسي. فليس دور الناجية أن تقوم بتوعية المقربين منها– خصوصا أنه من السهل أن تقرأي بنفسك – فالتوعية المسبقة ستجعلك شريك/ة صديق/ة قريب/ة أكثر دعما في التعافي. والكتب تعتبر مكانا جيدا للبدء.توصي “بيفرلي انجل” في هذا السياق بقراءة هذه الكتب: ” حلفاء في التعافي: عندما يكون من تحب تعرض للاعتداء الجنسي في الطفولة” للورا ديفيس و “الاعتداء الجنسي “الاغتصاب”: الانتقال من كونك ضحية إلى ناجية” لليزفيت راموس. والجزئية الخاصة بالتعافي ما بعد الاعتداء في موقع “الشبكة الوطنية للاعتداء الجنسي واغتصاب أفراد العائلة”.وكمعالجة نفسية متخصصة في العلاج الجنسي، أعمل مع العديد من الناجيات/الناجين من الاعتداء الجنسي وشركائهن/م. أجد أن تأثير الاعتداء الجنسي من الممكن أن يصعب فهمه إن لم تكن قد تعرضت له بنفسك، لذلك تكون معرفة بعض التأثيرات الشائعة التي يتركها الاعتداء على الأحباء مفيدة جدا.هنا بعض التأثيرت والمشاكل الأكثر شيوعا التي أراها في عملي. والتي تواجه الناجيات وحياتهن العاطفية والجنسية ، وهي ليست قائمة شاملة خصوصا مع حقيقة أن كل تجربة لناجية هي تجربة فريدة.-الانفصال “التشتت”: من الممكن أن يكون جسد الناجية حاضرا، لكن يكون تفكيرها في مكان مختلف تماما، خصوصا في الأوقات الحميمية.
التأثر بالرواسب:
من الممكن أن تقفز الناجية أو تتصلب عندما يقترب منها شخص، حتى لو كان شخص تحبه وتثق به. ومن الممكن لبعض الكلمات، الأفعال، الأصوات، الحركات، أو حتى الروائح أن تعيدهن إلى حالة من الغضب والخوف الشديد. كما تكون العديد من الناجيات من الاعتداء الجنسي في حالة يقظة شديدة.-الصعوبة في اتخاذ قرارات صحية: بعض الناجيات من الاعتداء الجنسي يجدن صعوبة في اتخاذ قرارت صحية بشأن حياتهن العاطفية والجنسية بعد الاعتداء. ربما تصبح لديهن صورة سيئة عن أجسادهن أو تصبح ثقتهن بأنفسهن مهزوزة. وربما تكون لهن علاقات حميمية مع أشخاص لا يحترموهن، أو في أوضاع لا يكونون فيها آمنات.-الرغبة الجنسية المنخفضة أو الامتناع عن الجنس: العديد من الناجيات لا يردن الخوض في هذا النشاط بالذات والذي تسبب في صدمتهن.الشعور بالعار: تشعر الكثير من الناجيات بأنهن مكسورات أو تالفات ويزداد هذا الشعور كلما ازداد الوصم في المجتمع.ويشعر الناجين الذكور من الاعتداء الجنسي بشعور مختلف، وبما أنه لا يتم الحديث عن الاعتداء الجنسي على الرجال كثيرا، فإنه يحمل نوعا آخر من الشعور بالعار.
تنويه:لا يجب أن تستخدم هذه القائمة لتشخيص احبائك، لكن، لتعطيك معلومات عن ماقد يواجهنه إن أرادوا مناقشة الطرق التي أثر فيها الاعتداء على حياتهن.
كوني مصدرا مستمرا للدعم
من المحتمل أن تستمر ردات الفعل حول الأخبار التي تتحدث عن الاعتداء الجنسي لدى الناجية، عند محادثات العائلة على الطعام، أو الأوقات الحميمية، أو أي حدث عشوائي. هنا بعض ما يمكنك فعله في هذه الحالات:
-استمري بالاستماع. لا تحاولي أن تعطي نصائح أو حلول للمشكلة. فقط استمعي.
-دعيها تعبو عن مشاعرها. نعلم أنه من صعب جدا رؤية شخص تحبه يتألم، لكنها بحاجة إلى مساحة للتعبير عن نفسها وماتشعر به. لا تقولي أمور مثل “ابتهجي” أو ” لا تبكي”. كوني بجانبها وهي تعبر عن هذه المشاعر.
-ذكري الناجية بدعمك لها . قولي أنك سعيدة “بإطفاء التلفاز”، أو الخروج من المنزل، أو الخروج لأماكن تحبه.
-اسألي الناجية إن كانت تحتاج أي شيء منك. ربما لا تملك إجابة جاهزة في الحال ، لكن من المهم أن توضحي لها استعدادكِ لدعمها وتقديم أي مساعدة تحتاجها.
الرعاية الذاتية
شجعي الناجية على الحصول على أكبر دعم ممكن تحتاجه . من الممكن أن يتضمن هذا العلاج النفسي، العلاج الجنسي، مجموعات الدعم، خطوط الدعم أو التحدث لأشخاص تحبهم/ن وتثق فيهم/ن.
الخطوط الوطنية للاعتداء الجنسي متوفرة طوال اليوم وطوال الاسبوع. من الممكن أن تعرضي أن تأخذيها إلى مواعيدها، وتأخذيها إلى الغداء بعد الموعد، أو حتى مشاركتها في الجلسات.
وبالرغم من ذلك، يجب على الناجيات أن يتخذن قرار رحلة علاجهن بأنفسهن.
تقول “مولتز ” بأنه من الممكن أن يكون التعافي عملية يشارك فيها أفراد العائلة، الشركاء، أو الأصدقاء، إلا أنها ليست شيء يمكن التحكم به أو في حدوثه. تتعافى الناجيات بأوقاتهن الخاصة، بناء على استعدادهن وتحفيزهن. ويحدث التشافي غالبا عندما تقود الناجية، وتعملون معاها كفريق – عملية تشافي.
ومن المهم أن تحصلي انتِ أيضا على الدعم الخاص بك. فقد لاحظ مايك لو، مؤلف كتاب ” ليسوا ضحايا بعد الآن: دليل للرجال المتعافين من الاعتداء الجنسي في الطفولة”، أن ” الأشخاص القريبين من الناجيات/ين خصوصا من يقدمون لهن/م الدعم يمرون بعملية موازية للناجيات/ين أنفسهن/م، بسبب ندرة الدعم والمصادر، ومع الشعور بأنهن/م لا يحتاجون للدعم لأن الاعتداء لم يحدث لهن/م “. من الصعب أن تسمع أن شخصا تحبه تم الاعتداء عليه. لذا عليكِ أن تفهمي أنه من الممكن أن يكون لكِ ردة فعلك الخاصة، وأنكِ تحتاجين للدعم والمساعدة العلاجية أيضا.
احترمي تعافيهن
التعافي من الاعتداء الجنسي عملية طويلة ومستمرة في الحقيقة. والطريق إلى التعافي قد يكون مختلفا بالنسبة لكل ناجية، لكن لاحظت “مولتز” بأن أكثر الخطوات شيوعا تتضمن “معرفة ما حدث، التعرف على التداعيات المحتملة للجريمة على الناجية، فصل المشاعر عن الاعتداء الماضي و المعتدي (أو المعتدين)، التوقف عن السلوك السلبي، استعادة القوة الشخصية، إعادة تعلم اللمس، مناقشة موضوع الجنس والحميمية، والعديد من الأمور الأخرى”
وتضيف : ” تحلي بالصبر، هذه ربما أكبر هدية تستطيعين اهدائها للناجية”.
عملية التعافي من الممكن أن تبدأ بخطوتين للإمام، وخطوة للخلف، لكن أي نوع من التقدم يستحق التقدير.