هل على المرأة أن تخسر معاركها بصمت؟
” إنه متحرش”
– الرجل الذي لا تفتنه امرأة ليس برجل.
” هو يبتز زميلته في العمل”
-أسلوبها في فضحه لا يليق بأنثى.
” إنه معنف”
– العنف ظاهرة اجتماعية لا تخص الرجل وحده.
قد تبدو هذه العبارات مجتزأة من سياقها، ولكنها توضح ما يدور على وسائل التواصل الاجتماعي من نقاشات تتعلق بحوادث العنف الواقع على المرأة، فمؤخراً تم تداول تدوينة كاتب اعتبرت مسيئة وداعية للتحرش أثارت اللغظ، وتناقلت الصفحات قضية صحفي شهير متهم بمحاولات تحرش، كما تصاعدت على نحو غير مسبوق فضيحة إعلامي ضرب زوجته، إضافة إلى تفاعل الآراء حول شاعر أساء للمرأة وللنسويات.
المتابع لما يُكتب سيجد تنوعاً شديداً في الآراء من أقصى اليمين حتى أقصى الشمال، فهناك الرافض والمستنكر والساخر والمشكك، وصولاً إلى من يتجاهل تلك القصص، ويرى أن الانشغال بها مضيعة للوقت أمام المواضيع الجسيمة والحساسة التي تحدث حولنا.
حتى الآن لا يبدو الجدل جديراً بكاتبة مقال عنه، ففي مجتمعات ذكورية تتعامل مع المرأة بمستوى أدنى تتكرر حوادث القتل والضرب والتحرش والإبتزاز على نحو مؤسف، كما تتنوع المواقف منها، أما الجديد فيتعلق بناحيتين: الأول وجود نساء شجاعات قررن المواجهة وعدم السكوت، فتحدثن علانية عن قصصهن الشخصية الأمر الذي استنكره البعض باعتباره يخدش أنوثة المرأة، ويخرج عن سياق المتوقع منها، كأن المطلوب أن تعاني وتخسر معاركها بصمت، بل وهناك من تخوّف من فضح الممارسات وتحويل القضايا الشخصية إلى قضايا عامة والتي قد تستخدم كسلاح وأداة انتقام، وهناك من أطلق عبارة رهاب النسوية، وهناك من عبر بتدوينات ساخرة تُسخف المواضيع المثارة، وتعتبرها فورة غضب أو موضة دارجة ستزول.
الناحية الثانية (المفاجئة) أن من قام ببعض تلك السلوكيات المعنفة، هم من (النخب المثقفة)، والمفترض عند تعريف المثقف بأنه قادر على إنتاج أفكار جديدة والتعامل معها، أي إحداث التغيير سواء في سلوكه أو في التأثير بغيره، ويدفعنا هذا التصور إلى السؤال: هل المثقف مثالي بالضرورة؟
إن التخلف الفردي يخلق تخلفاً اجتماعياً وبالعكس، فنحن أمام منظومة فكرية شرعنت العنف منذ زمن بعيد سواء في النص الديني أو بنود القوانين حتى تعمقت في جذرنا الثقافي، لذلك نكاد لا نجد موقفاً حازماً من العنف -حتى اللحظة على أقل – بل غالباً ما يتم تبريره بصفاقة، وبالتالي فإن درجة الوعي عند التعاطي مع قضايا العنف ضد المرأة، لا علاقة له بالمستوى التعليمي أو الاقتصادي او الاجتماعي، إذ يتساوى الرجل المتعلم مع الرجل البسيط، والغني مع الفقير والمشهور مع الانسان العادي، الشباب مع الأكبر سناً ، ولا نستثني المرأة نفسها عندما تتبنى المواقف الذكورية فتجد المبررات وتتهم الضحية وتتعاطف مع المعنف.
إن انكشاف حالات تخص المثقفين (المزيفين) سواء على صعيد التصرف الشخصي أو عند تبني صورة المرأة مختزلة بشكلها التقليدي/ الشهرزادي وضح ازدواجيتهم، فالكتابة عن العنف ضد المرأة ليست إلا وسيلة لإبهار القراء وزيادة المتابعين، تتناقض مع ما انفضح ستره، فشتان بين الادعاء وما يحدث بالفعل، وتبعاً لذلك ينقسم المثقفون المزيفون إلى فئتين.
الأولى: تسفه وتسخر وتبرر وتتجاهل اتخاذ موقف محسوم من حقوق المرأة التي تبدو كحقل ألغام.
الثانية: تعنف أو تتحرش أو تبتز أو تفعل كل ما سبق بمباركة واعية أو غير واعية من الفئة الأولى.
تتحول سلطة المركز والقوة المرافقة لها إلى أداة قمع، وهذا لا يخص الحكومات بل الأفراد أيضاً، هناك مشاهير من فنانين وصحفيين وكتاب واعلاميين استغلوا مواقعهم بشكل مسيء للمرأة، وسواء كانت هذه الشخصيات لا تتطابق أفكارها مع مواقفها أو كانت بحد ذاتها قامعة، يصبح انتقادها وكشفها على أوسع نطاق أمر في غاية الأهمية.
في المحصلة، يهمنا ليس الفضائح بحد ذاتها إنما وضع معايير أخلاقية لتطابق أفكار الكتاب و الأدباء والصحفيين والفنانين مع واقعهم، كي نصدقهم على الأقل.. كي نثق بكم الآراء التي يتحفوننا بها، ويسطرونها أو يقدمونها في برامجهم وأعمالهم الفنية، فالهدف تحويل الأفكار إلى قناعات، والقناعات إلى نمط حياة ترفض سلوكيات التعنيف ولتشكل رأياً عاماً ضاغطاً يستطيع تغيير القوانين المجحفة مستقبلاً.
لذلك يصبح اتخاذ موقف واضح أمراً مهماً، وإن كان فردياً كما فعلت إدارة بعض المكتبات في مصر عندما منعت عرض وبيع إصدارات الكاتب المتهم، أو عندما أقالت جهة العمل المتحرش، أوعندما نرفض التعامل على المستوى الشخصي مع المزيفين، وهو أضعف الإيمان.
خاص حملة مارح أسكت بقبم سوزان خواتمي
اللوبي النسوي السوري